قالوا عن الغضب

* إذا تمالكت أعصابك في لحظة غضب واحدة، ستوفر على نفسك أياماً من الحزن والندم.

* إذا تمالكت أعصابك في لحظة غضب واحدة، ستوفر على نفسك أياماً من الحزن والندم.



الثلاثاء، 23 ديسمبر 2008 - 16:12




أظهرت دراسة حديثة أجريت في "المركز القومي للبحوث الاجتماعية" بالقاهرة، أن الخجل لدى الأطفال هو أحد العوارض النفسية التي تسبب قلقا شديدا للوالدين، فقد يكون الطفل نشيطا ولبقا في حضور أفراد الأسرة ، لكنه يميل إلى الانزواء خجلا بمجرد دخول شخص غريب إلى المنزل، الأمر الذي يثير مخاوف الوالدين من أن يؤثر خجل الطفل على شخصيته، فيتحول إلى شاب منطو يعجز عن مواجهة الآخرين في المستقبل، وهي ظاهرة مرضية تصيب نحو 36 % من الأطفال في مرحلة المراهقة والبلوغ.
ويرجع خبراء التربية الخجل الذي يصيب نسبة كبيرة من الأطفال تجاه الأشخاص الغرباء، إلى خطأ في أسلوب التربية الذي يتعامل به الوالدان مع طفلهما، فهناك مشكلة يجيب مراعاتها ومعرفة الخلل والسيطرة عليه قبل أن يتحول الطفل الخجول إلى شاب منطو على نفسه ولديه مشكلة في الاندماج بالمجتمع المحيط به.
وتقول إحدى الأمهات: إن طفلي مدهش، كثير الحركة، محب للسيطرة داخل البيت فقط، وأما خارج البيت فيبدو خجولاً منطويًا لدرجة أنه قد يخفي وجهه إذا رأى شخصًا يعرفه في مكان ما بل يشتد خجله إذا حادثه، إنني لا أدري كيف أتعامل معه، إذ أخشى أن تزيد حالته سوءًا .
وتقول أم أخرى: طفلي يبكي ويصرخ ولا يتكلم، إذا زرنا أحدًا أو زارنا أحد، مما يزيد إحراجي، فهو ينقصه التركيز، ولا يحب كثرة الناس في المكان، إنه يكره المنافسة خوفًا من أن يتغلب عليه الآخرون.
وتقول ثالثة: طفلي لا يحب اللعب مع الأطفال، حاولت مرارًا تأنيبه، ولكن حالته في ازدياد، إنه يلعب مع أطفال البيت فقط، أما الغرباء فلا يحب الاجتماع بهم، وهو يعرف إجابة السؤال الذي يطرحه معلمه في الصف، لكنه لا يجرؤ على الإجابة .. أخاف أن يقلل هذا من سعادته، أو يُفقده حب الناس له.
ويلاحظ من شكاوى الأمهات أن الخجل قد يؤدي إلى آثار سلبية أخري مثل الخوف والرهبة واضطراب الأعصاب، وانعدام الثقة بالنفس والخوف من القيام بأي عمل خشية الإخفاق، وقد يجد الطفل صعوبة في التركيز فيما يجري حوله، ولا يعرف كيف يواجه الحياة منفردًا، وخاصة عند دخوله المدرسة، فقد يشعر بعدم الرضا عن نفسه؛ فلا يتجرأ على طرح الأسئلة خوفًا من الرفض أو الصد.
يؤدي الخجل إلى الانطواء كمشكلة اجتماعية تواجه العديد من الناس، لذلك يجب السيطرة على تلك المشكلة والحد منها قبل تفاقمها في نفسية الطفل، ويرجعه خبراء التربية إلى عدة عوامل هي:
* العامل الوراثي : فيرى بعض الباحثين أن فسيولوجية الدماغ عند الأطفال المصابين بالخجل هي التي تهيؤهم لتلك الاستجابة، ومن هنا فإن العامل الوراثي بالإضافة إلى البيئة المحيطة له أثره، كذلك فإن الاضطرابات الانفعالية والعاطفية والحالات النفسية التي تعاني منها الأم خلال مرحلة الحمل، قد تؤثر على نمو الطفل، وتهيؤه لظهور حالة الخجل لديه في مستقبل حياته.
* أسلوب التنشئة: قد يكون القائم بالتربية مسؤولاً عن إصابة الطفل بالخجل دون أن يشعر، ويحدث هذا من خلال مواقف بسيطة، أو ملاحظات عابرة ، فقلق الأم الدائم والزائد على طفلها ولهفتها عليه من أكبر أسباب ظهور الخجل لدى الطفل، كما أن الخلافات بين الزوجين تسبب مخاوف غامضة للطفل، وتجعله لا يشعر بالأمان، مما يؤثر على نفسيته، كما تؤدي القسوة في عقاب الطفل لمجرد ارتكابه أي خطأ، أو تقصير في أداء الوظائف المنزلية، أو انخفاض درجات الاختبار إلى الخوف والخجل.
* الغيرة بين الأطفال: ربما تسبب المقارنة بين الطفل وأقرانه أو أشقائه، إذا كان متفوقًا في أي جانب من الجوانب وذلك بمدحه على ذكائه، أو حسن تصرفه وخاصة أمام الآخرين في شعوره بالحرج، ويؤدي إلى إحساسه الشديد بالخجل.
* مشكلات خاصة : كأن يكون الطفل مصابًا بعيب خَلقي، أو مرض مزمن، أو عيب في النطق، مثل "التأتأة"، فيشعر الطفل أنه أقل من نظرائه ويبتعد عنهم ولا يشاركهم نشاطهم.
يؤكد الدكتور صفي الدين حسنين - أستاذ علم نفس الطفل بجامعة القاهرة - أهمية تأثير عامل التربية في مستوى تعامل الطفل مع الآخرين، فيقول : الجو الذي يسود المنزل والعلاقة بين الوالدين، فقد يكون الأب عصبي المزاج ويتطاول بالكلام أو باليد علي الأم مما يؤثر علي نفسية الصغار لأن العقد النفسية ستبدأ في التكونّ داخل الأبناء منذ نعومة أظافرهم دون أن يدرك الوالدان أنهما وراء عقد الابن أو الابنة.. فالمعايشة الصحية والتماسك بين أفراد الأسرة والاحترام المتبادل بين الأب والأم يمنح الأمان والراحة والسكينة لنفس الصغير.
ويشير د . صفي الدين إلى أن العلاقات الأسرية السوية تضفي علي الأبناء مهارات التواصل المحمود مع الآخرين عن طريق تنمية أواصر المحبة والتواد والتراحم التي يلمسها الصغار عن قرب من خلال علاقة الوالدين بمن حولهم، وأن تفهم حاجات الأبناء ومطالبهم يحتاج إلى صبر ووعي بأهمية دور الآباء والأمهات في التربية.
أما الدكتورة سهير عبد العزيز - أستاذ علم الاجتماع بجامعة الأزهر - فترجع السبب في انطواء الطفل إلى الأسرة، فنادراً - على حد قولها - ما يصاب الطفل في أسرة مترابطة بالانطواء، فالطفل المنطوي ينشأ في أسرة يسودها المشكلات والصراعات وعدم التفاهم، كما أن كلا من الأم والأب لم يقم بدورهما التربوي على الوجه الأكمل في تربية الطفل بحيث يكون طبيعياً مثل أقرانه.
وهناك قواعد عامة نفسية يجب مراعاتها في تربية الطفل، فيجب إشراك الطفل في أداء بعض الأعمال التي تحتاجها الأسرة ليشعر بأهميته ووجوده واحترام قدراته وتوجيهه إلى ممارسة أنشطة رياضية لتفريغ طاقاته وإذا كان لديه موهبة كالرسم أو العزف فيتم مساعدته بالحب والتقبل لرغباته، وعلى الوالدين تجنب مواقف العنف السلوكي أمام الأبناء حتى لا يكونوا سببا في إصابتهم بإعاقات اجتماعية.
ويرى الدكتور شحاتة محروس - أستاذ علم النفس بجامعة حلوان – أن هناك أسباباً أخرى غير متعلقة بالأسرة قد تتسبب في انطواء الطفل، مثل عدم ثقة الطفل بنفسه علاوة على استخدام القسوة الزائدة معه أو السخرية منه أو التقليل من شأنه إذا ضربه أحد الأطفال، أو حين لا يدربه أحد على التواصل مع الآخرين.
للأسرة دور مهم في حل هذه المشاكل المرتبطة بالطفل من خلاله مساعدته على الاندماج في المجتمع والاختلاط بأقرانه بتنظيم زيارات إلى الأقارب ممن لهم أطفال في مثل سنه كي يتحدث معه ويندمج معهم، وعلى الأسرة أن تشجعه على الاتصال والتفاعل مع الآخرين، ويستحسنوا منه هذا السلوك، وعلى الوالدين أن يدربا الطفل على طريقة التعامل مع الآخرين في المواقف الصعبة حين يتعرض لضرب من طفل آخر، دون سخرية أو إيذاء.
وتنصح د .عزة تهامي – خبيرة تربية – بضرورة إبعاد الأطفال عن المشاكل الزوجية والاضطرابات بين الزوجين، محذرة من عصبية الأمهات في التعامل مع الأبناء والتي قد تؤدي إلى إضعاف شخصياتهم، أو تؤدي إلى أن يكون الطفل شخصية متسلطة يهوى السيطرة على الآخرين.
وتحذر د . "عزة " من أسلوب الإلحاح على الطفل لمصافحة الزوار أو التحدث معهم، وترى أنه يمكن تعليم الطفل التعرف إلى الآخرين بأسلوب أخر يعتمد على الود والبشاشة وحسن الاستقبال، وتعليم الطفل أن يسلك سلوكا سويا تجاه الآخرين، وينصح خبراء التربية بأن يكون الحوار المستمر بين الأم والطفل مفتوحا واستماع كافة أراء الطفل والاستجابة لها، وأن تمتدح الأم السلوكيات الإيجابية، وتدريب الطفل على التحدث مع الآخرين بثقة، وعدم التدخل للدفاع عنه في المواقف الخلافية بينه وأخوته وأقرانه.
وتعد الألعاب الالكترونية من المؤثرات الخارجية التي تؤدي إلى انطواء الأطفال، وخاصة تلك التي ظهرت حديثا والتي تؤدي إلى تغيب الطفل عن العالم المحيط، وتسبب له مشكلة اجتماعية في التفاعل مع الآخرين قد ترافقه طوال حياته، فجانب العوامل الوراثية وعوامل التربية يجب أن يراعي القائمون على التربية أهمية اللعبة في حياة الطفل كإحدى الثنائيات المهمة التي تبدأ معه منذ سن مبكرة جدا، حيث تقتحم اللعبة حياة الطفل منذ الأشهر الأولى من عمره.
وتؤثر اللعبة في تشكيل السلوك لدى الطفل تجاه المجتمع المحيط، ورغم أن هناك بعض الألعاب تساهم بشكل واضح في تنمية حس الجرأة عند الطفل وخصوصا ألعاب الملاهي في المدن الترفيهية، التي تنمي روح المغامرة عند الأطفال، إلا أن هناك العديد من هذه الألعاب تساهم بشكل سلبي، فبعض ألعاب الأطفال وخاصة الألعاب الإلكترونية تساهم في خلق طفل "منطو" وغير متأقلم اجتماعيا بسبب ركونه الدائم إليها والانشغال بها عن مخالطة أقرانه، أو الاحتكاك بأفراد عائلته الآخرين، سواء أثناء تواجدهم في المنزل أو حتى أثناء زيارتهم لأقارب آخرين.
صلاح عبد الصبور




كتاب مثير صدر حديثا في الولايات المتحدة يزعم أن الوقت الذي ننفقه على الانترنت يقوم بتغيير حقيقي لتركيبة أدمغتنا ويلحق الضرر بقدرتنا على التفكير والتعلم على حد سواء. وفي الحقيقة ذهب صاحب كتاب (The shallows) :كيف يغير الانترنت تركيبة أدمغتنا؟ الأمريكي نيكولاس كار إلى القول ان الناس الذين يجلسون كثيرا على الانترنت يتحولون إلى أشخاص تفكيرهم سطحي، في حين ان قراءة أي كتاب اعتيادي تتيح لك فسحة كاملة من التفكير العميق. وفي الوقت الحالي اصبح هذا الكتاب محور نقاش حاد بسبب النتائج التي طرحها المؤلف والتي توصل اليها بسبب الآثار المترتبة من جراء الساعات الطويلة التي ينفقها الشباب على الأون لاين.
ان كل هذا النشاط المحموم على الانترنت والأجهزة الالكترونية الحديثة يخلق حالة مستمرة من القلق، بل انه أصبح ادمانا لا يختلف عن أي ادمان آخر. لذا بعد قراءة ما نُشرَ حول هذا الكتاب المثير للجدل عن تأثير وسائل الإعلام الرقمية على العقل البشري، يرى الكثيرون ان هناك أكثر من سبب للشعور بالخوف. ان أطروحة هذا الكتاب الذي سيصدر خلال الشهر القادم في المملكة المتحدة بسيطة للغاية تتمحور في ان العبء المعلوماتي غير المحدود للعالم الحديث يشل قدرتنا على التفكير والتأمل، والصبر وأشياء أخرى وليس هذا فحسب بل أنه يؤكد على ان عاداتنا على الانترنت تغيير تركيبة أدمغتنا.
كيف يغير الانترنت ادمغتنا؟
مثل كل محتويات صحيفة الغارديان التي تريد ان تقرأها –وهذا ليس بجديد-، لقد تمت كتابة هذا الموضوع باستخدام جهاز كمبيوتر المتصل بشبكة الإنترنت. ومن الواضح أن لذلك منافع لا تنتهي، تتعلق في معظمها بالسهولة النسبية للقيام بالبحث وبساطة للاتصال بالناس الذين انت على وشك أن تقرأ أفكارهم وآراءهم. ان تكنولوجيا الاتصالات الحديثة الآن مألوفة بحيث تبدو عادية تماما، ولكن مازال هناك شيء من السحر فيها، فمثلا، باستطاعتك إرسال بريد إلكتروني إلى عالم ما في جنوب كاليفورنيا، وبعدها في غضون ساعة يمكن الحديث إليه ومناقشة أي موضوع يخطر في بالك.ومع ذلك فهناك جانب سلبي. ان الأداة التي يمكنني استخدامها للكتابة، هي ليس فقط معالج النصوص وصندوق البريد الخاص بي، ولكن يمكن أيضا ان تكون أشياء أخرى كجهاز راديو أو تلفزيون، ونافذة للأخبار ومتجر. وبالإمكان تعداد مئات الأشياء التي يؤمنها هذا الجهاز العجيب ووسيلته الرئيسية.
في ساعات الفجر، أو منتصف الليل تقريبا أتفحص بريدي الإلكتروني سواء من هاتفي أو من كمبيوتري. وبطبيعة الحال، صندوق رسائلي عادة ما يكون إما بالضبط كما تركته، أو هناك من انضم حديثا. ومن الواضح، أنا لست وحدي في هذا البلاء.
لقد ركزت العشرات من العناوين على تقرير جديد وجد أن البريطانيين ينفقون أكثر من سبع ساعات يوميا في مشاهدة التلفزيون، والذهاب على الانترنت، وإرسال الرسائل النصية وقراءة الصحف إضافة إلى الهواتف الذكية على شبكة الإنترنت التي هي الآن تثبت جزءا من حياة ملايين الناس. ومن الناحية الظاهرية، كل هذا لا يبدو إلهاميا - ولكن على الطرف الأدنى من الفئة العمرية يؤشَرْ بالدليل على ما مقبل عليه العالم. ان الأشخاص الذي تتراوح أعمارهم ما بين السادسة عشر والأربعة والعشرين، لم يكن جهاز التلفزيون هو الذي يهيمن عليهم حيث وجد ان نصف وقتهم الاعلامي مخصص للهواتف المحمولة وأجهزة الكمبيوتر - وبالتالي، فإن ثلثي الوقت الذي يتم انفاقه يكون على فعل شيئين رقميين في وقت واحد.
وعلى ما يبدو كلما كنت أصغر سنا، فهناك المزيد من الاستهلاك في وسائل الإعلام المتعددة، ومع ان عمري في الأربعينيات، لكن عاداتي متشابهة تقريبا مع هؤلاء الشباب.
في كثير من الأحيان، تشعر أن كل هذا النشاط المحموم يخلق حالة مستمرة من القلق، مثل ما يفعل أي إدمان عادة. وعلاوة على ذلك، وبعد قراءة ما نُشرَ حديثا حول كتاب مثير للجدل عن تأثير وسائل الإعلام الرقمية على العقل البشري اعتقد ان لدي سببا وجيها جدا لأشعر بالتوجس من ذلك. ان أطروحة هذا الكتاب بسيطة للغاية: ليس فقط ان العبء المعلوماتي غير المحدود للعالم الحديث يقتل قدرتنا على التفكير والتأمل، والصبر ولكن عاداتنا على الانترنت أيضا تغيير تركيبة أدمغتنا.
هل جوجل يجعلنا أغبياء؟
يتكون كتاب (The shallows) من 250 صفحة للكاتب الأمريكي نيكولاس كار، وقد نشر للتو في الولايات المتحدة، وعلى وشك أن يوزع في المملكة المتحدة، وحاليا هو محور نقاش حاد. لكن لابد من الإشارة إلى أنه قبل عامين، كتب "كار" مقالا في مجلة "اتلانتك" تحت عنوان "هل جوجل يجعلنا أغبياء؟" ويبدو ان هذا الكتاب هو النسخة الكاملة: التي هي صرخة مكتوبة بشكل رائع عن القلق حول ما وصفه احد المعجبين بـ"حكمة الإنسان غير المتعلم" وهو عملية اعادة تركيب للممرات العصبية والشبكات التي ما زالت تحرم الجنس البشري من المواهب التي - ومن المفارقات - تقود رحلتنا من الكهوف إلى محطات أجهزة الكمبيوتر.
في الكتاب، يعود "كار" إلى الوراء لينظر في اختراعات الإنسان، مثل الخريطة، والساعة والآلة الكاتبة، ومقدار تأثيرها في الأساليب الأساسية لتفكيرنا (من بين الأشخاص الذين تغيرت كتابتهم بفعل الحداثة فريدريك نيتشه وتي اس إليوت). وللسبب نفسه، يقول إن "نشاز محفزات الإنترنت " و"الحشو المجنون" للمعلومات أدت إلى زيادة في "القراءة الخاطفة وتشتت وسرعة التفكير والتعلم السطحي" - على النقيض من الكتاب الكلاسيكي الذي كان يشجع البشر الأذكياء ليكونوا متأملين ومتخيلين. ولكن هنا يكمن الشيء المهم حقا حيث يدعي "كار" أن فهمنا المتنامي للكيفية التي تعيد فيها التجربة تركيب دوائر الدماغ خلال حياتنا – التي تعرف باسم "المرونة العصبية" - تبدو إلى حد ما في اتجاه واحد ومقلق للغاية. ومن بين أكثر الأجزاء المثيرة في هذا الكتاب هو التالي: "إذاعرفنا ما نعرفه اليوم عن مرونة الدماغ، حينها نبتكر وسيلة من شأنها أن تعيد تركيب دوائرنا العقلية في أسرع وقت وأكمل وجه ممكن، والأرجح في نهاية المطاف نصمم شيئا يبدو ويعمل في الكثير منه مثل الانترنت".
الآثار كبيرة والمثير للدهشة ان البحوث التفتت إلى آثار الإنترنت على الدماغ، ولكن العمل الذي شكل الجزء المهم من بحث "كار" أجري في عام 2008، من قبل ثلاثة من الأطباء النفسيين في جامعة كاليفورنيا بقيادة الدكتور غاري سمول، الذي شارك في تأليف كتاب بعنوان iBrain. وتحت إشرافهم، تم مسح أدمغة 12 من مستخدمي الانترنت من ذوي الخبرة و12 من المستخدمين الجدد الرقميين. وقد نشرت النتائج تحت عنوان "دماغك على جوجل"، وأشارت إلى فوارق أساسية بين المجموعتين: في منطقة الدماغ التي تسمى قشرة الفص الجبهي الظهري الجانبي، والتي تتعامل مع الذاكرة على المدى القصير وصنع القرار، لم يظهر الناشئون أي نشاط، في حين أن قدامى مستخدمي الإنترنت كانوا في الواقع جذوة من النشاط.
وبعد ستة أيام، ابلغ المبتدئون بقضاء ساعة على الانترنت يوميا، لتفحص أدمغة المجموعتين مرة أخرى، وهذه المرة كانت أكثر إثارة للاهتمام: في صور كل من عقول المجموعتين كان نمط النقط التي تمثل النشاط العقلي متطابقا تقريبا. وكما يقول "سمول": "بعد خمسة أيام فقط من التطبيق، أصبحت الدوائر العصبية الدقيقة الموجودة نفسها في الجزء الأمامي من الدماغ نشطة في مواضيع الانترنت الساذجة.
وقد اعادت خمس ساعات على الانترنت، والموضوعات الساذجة بالفعل تركيب أدمغتهم. "ان العالم "سمول" مدير مركز أبحاث الذاكرة والشيخوخة في جامعة كاليفورنيا، لوس أنجلوس، وهو متخصص في الآثار على الدماغ بسبب الشيخوخة، شارك في اختراع أول تكنولوجيا مسح الدماغ للكشف عن الأدلة المادية من مرض الزهايمر. يقول"سمول" "حتى مع الأشخاص المتقدمين في السن يكون الدماغ مرنا جدا، ويستجيب إلى ما يحدث مع التكنولوجيا". ويضيف: "هناك مبدأ أساسي أن الدماغ حساس جدا لأي نوع من التحفيز، ومن لحظة إلى أخرى، هناك سلسلة معقدة جدا من النتائج الألكترو كيميائية لأي شكل من أشكال التحفيز. وإذا ما كررت المحفزات، فسوف تستثار الدوائر العصبية، ولكن إذا أهملت محفزات أخرى، سوف تضعف الدوائر العصبية الأخرى. " هذا هو جوهر الجدل الذي يبحث فيه "كار" وهو أن عالم الانترنت يفرض ضريبة على أجزاء من الدماغ التي تتعامل مع أشياء عابرة ومؤقتة حيث إن التفكير العميق يصبح وعلى نحو متزايد أمرا غير ممكن. ويعتقد بالتالي: "ان قدرتنا على التعلم تصبح تعاني، واستيعابنا يبقى ضحلا".
الابداع البشري في خطرو"سمول" فقط على دراية تامة بما يمكن ان يعني قضاء الكثير من الوقت على الانترنت للعمليات العقلية الأخرى. وفي وسط الشباب الذي يسميهم الفطريون الرقميين (وهو مصطلح كان أول من أطلقه الكاتب الأمريكي والعالم التربوي مارك بيرنسكي)، لاحظ مرارا وتكرارا افتقارهم لمهارات الاتصال البشري كالمحافظة على الاتصال بالعين، أو ملاحظة الإشارات غير اللفظية في المحادثة". وعندما يريد ان يفعل ذلك فإنه يبذل كل ما لديه ليعيد تدريب هذه المهارات ويقول: "عندما أذهب إلى الكليات وأتحدث مع الطلاب، اطلب منهم ان ينفذوا تمارين الاتصال البشري وجها لوجه كأن أقول لهم :' التفت إلى شخص بجانبك، يفضل أن يكون شخصا لا تعرفه، أغلق جوالك". شخص واحد يتحدث والآخر يستمع، وحافظ على الاتصال بالعين، وهذا أسلوب مؤثر جدا. وهكذا بدأ اثنان من الشباب بالتفاهم بعد ان فعلا ذلك ". كما يخشى أيضا من أن الرسائل النصية والرسائل الفورية قد تكون بالفعل تطمس الإبداع البشري، لأننا لا نفكر خارج الصندوق بأنفسنا -- نحن باستمرار نتفحص جميع أفكارنا الجديدة مع أصدقائنا". ويحذر من أن تعدد المهام – التي بالتأكيد أنها طريقة التشغيل الأساسية للانترنت – ليست وسيلة فعالة للقيام بالأشياء: نحن نرتكب أخطاء أكثر بكثير، وهناك ميل للقيام بالأشياء بسرعة، لكن على نحو أكثر إهمالا.و في الآونة الأخيرة، عمل كار مع شركة بوينغ الأمريكية الكبرى بخصوص الكيفية التي يتم التأقلم بها مع آثار التشبع على الانترنت مع الموظفين الأصغر سنا، وتأهيلهم على عالم بدون نت.عندما كنت أسأله كيف يمكن لي وقف آثار الإنترنت الأكثر إيذاء على عقلي، يقول كار: لدينا القدرة على سحب أنفسنا من الانهيار فيما لو كنا نعرف ما هي المخاطر، الدماغ يمكن أن يوجه نفسه إذا أدركنا هذه القضايا، وعلينا اتخاذ قرارات بشأن ما يمكننا القيام به حيال ذلك. ولابد أن نحاول تحقيق التوازن في الوقت الذي نقضيه على الانترنت والذي نكون بعيدين عنه ويقول كار: "ما يحدث هو أننا نفقد الإيقاع اليومي الذي اعتدنا عليه، الذهاب للعمل، والعودة إلى المنزل، وان تقضي بعض الوقت في الحديث مع أطفالك".
دور الألعاب عبر الإنترنت.. وماذا عن فكرة التهدئة عندما تكون على الانترنت؟ اشعر فعلا بأني على ما يرام عندما ابتعد عن النت ولكن سرعان ما أعود إلى مكتبي حيث يصبح أمامي كل شيء اليوتيوب وتفحص بريدي الإلكتروني. ويقول "من الصعب الانسحاب". الانترنت يسحرنا وقد أصبحت أدمغتنا مدمنة عليه، وعلينا أن نكون على علم بذلك، وان لا نسمح له بالسيطرة علينا".
البروفيسور أندرو بيرن من معهد التعليم في جامعة لندن الذي تخصص منذ زمن طويل في أساليب الأطفال والشباب في استخدام ما يسمى بـ"وسائل الإعلام الجديدة" يتساءل هل هناك أي شيء في كتاب البروفيسور"كار عن دور الألعاب التي تلعب عبر الإنترنت؟" في الحقيقة ليس هناك الكثير. ان مناقشات "كار" تمتد إلى أنشطة من نوع التصفح والعرض، ولكن إذا نظرتم إلى البحث عن الأطفال والقيام بالألعاب عبر الإنترنت، أو استكشاف العوالم الافتراضية، كالحياة الثانية، فإن النقاش يتعلق بالانغماس والمشاركة – وهما من الاهتمامات التي تصنف بأنها إدمان. ان النقطة تكمن في ان اللعب بنجاح في لعب الإنترنت، يلزم درجة من الانتباه لا تصدق إلى ما يقوم به زملاؤه في الفريق، وكذلك إلى آليات اللعبة. لذا بالإمكان إعداد أطروحة عن "تفكير الاعماق"، وبالمقدار نفسه عن "التفكير السطحي "وماذا عن كل هذه المخاوف بشأن التحول في دماغ الإنسان؟
يقول البروفيسور أندرو بيرن "ان اعادة تركيب الأعصاب المؤقت يحدث عند تعلم أي شيء". "أنا أتعلم العزف على آلة موسيقية في هذه اللحظة، ويمكن أن أشعر ان نقاط الاشتباك العصبي تعيد تركيب نفسها، ولكنها مجرد آلية بيولوجية، ويبدو لي أن القول إن بعض الممرات العصبية جيدة وبعضها سيئة – أمر ممكن، ولكن كيف يمكننا أن نقول ذلك؟ يمكن أن يكون شيئا جيدا: يصبح الشخص متكيفا، وأكثر مرونة في سعيه للحصول على المعلومات ". ويعتقد البروفيسور أندرو بيرن ان "كار" قد، يكون مذنبا بسبب انزلاقه في نقاش تحولي تقريبا"، وانه لا يملك ناصيته على الإطلاق.كما انه غير معجب أيضا بالطريقة التي يضع فيها " كار" التناقض بالنسبة للغباء التراكمي لعصر الانترنت سوية مع المرحلة السيبرية للتقدم البشري في حين اننا جميعا نقوم بقراءة الكتب. ويقول"ماذا لو كان هذا الكتاب "كفاحي"؟ وما ذا لو كان جيفري آرتشر، أم باربرا كارتلاند؟.






